مريم ملجأ الخطأة
إعداد الأخت مارتينا عبد المسيح
تنظر مريمُ إلينا بحنان وحبّ رائعين! فتعكس محبّتُها محبةَ الله. تنظر إلينا بنظرة ابنها، نظرة الله البشريّة. وتحت نظرتها ننفتح وننتعش نحن الخطأة المتقوقعين. كلّ ما في حياتنا من كلمة “لا” ومن أفعالِ رفضٍ للحبّ ومن نظرات طمع نـحو الكائنات، يذهب بعيدًا عنّا: فنؤمن بأنّنا مسامَحين، بل نعلم أنّه مغفورٌ لنا. نظرة الأمّ التي تخصّنا بها مريم تفتح لنا طريق نظرة الله الأبويّة ونظرته كأمّ أيضًا. نعرف أنّ باستطاعتنا أن نصبح كلّ يوم أكثر استجابة لله على غرار مريم وعلى مثال المسيح. نريد أن نسعى إلى تحقيق ذلك، نريد أن نبعِد نظرنا عن نفسنا لنوجّهه بدون كلل نـحو الله ونـحو البشر الذين تحيط بهم جميعًا نظرةُ الله الممتلئة محبّة. “إنّه يتذكّر رحمته”. ننظر إلى مريم، ننظر إليها وهي تنظر إلينا. ما أجمل هذا التبادل في النظرات! نتذكر من هذهِ النظرة، الطفل الرضيع الذي غاصت نظرته في نظرة أمّه. إنَّه تبادلُ حبّ صامت لا ينضب. ليت تأمّلنا يصبح مثل تلك النظرة! لا حاجة إلى الكلمات، لا حاجة إلى الجمل، إنّها نظرةُ إعجاب، نظرةُ حبّ، نظرةٌ ترضى بأن تكون موضع حبّ. أمّنا أتينا فقط لننظر إليكِ، لنغوص بنظرنا في عينيك اللتين يحبّهما الله.
فلولا مريم العذراء لكان كثيرون من الخطأة يهلكون. فمريم العذراء هي أم البشر وقلبها قلب أم لا بل إن قلبها يحوي كل ما في قلوب الأمهات من عواطف الشفقة والحنان والحب. يحوي كل ما في قلوب الأمهات من صبر واحتمال وتضحية، فهي دائماً تتوسل لدى ابنها يسوع المسيح من أجلهم لكي يمهلهم لكيما يتوبوا ويرجعوا إليهِ. فإن كثيرين من الخطأة تابوا عن شرورهم ورجعوا إلى الله في آخر حياتهم، فما ذلك إلا من توسلات مريم العذراء ملجأ الخطأة لدى ابنها يسوع المسيح. فإن مريم والدة الإله قد أوحت إلى (القديسة بريجيتا)، بأنها أمٌ ليس للأبرار والصديقين فقط، بل للخطأة وللأشرار أيضاً، إذ إنهم لو أرادوا أن يرجعوا عن المآثم، فإن هذهِ الأم الحنون هي دائماً مستعدة لأن تسعف كل من يلتجئ إليها من الخطأة جاثياً أمام قدميها، راغباً في عمل التوبة، وأن تعاملهُ بالحنو والرحمة أكثر من أم طبيعية.
إن الخاطئ الذي يجتهد في إخراج ذاتهِ من المآثم، وإن لم يكن بعد قد خرج بالكامل عن الخطيئة فعندما يلتجئ إلى والدة الإله، تعضدهُ هذهِ الأم الرؤوف وتسعفهُ في الرجوع إلى حال النعمة، لأجل الخطأة أصبحت مريم أماً لإله هو إله الرحمة المتجسدة. وقد ناشدها القديس يوحنا ذهبي الفم بلسان الخطأة قائلاً: “نُحييك، يا أم الله وأمنا، يا سماء يقطنها الله، أيها العرش الذي يوزع الرب نِعمهِ كلها. اسألي يسوع باستمرار، من أجلنا لكي ننال بواسطتكِ الرحمة”، فالأم وإن غضبت على ابنها الذي أهانها وتمرد عليها وابتعد عنها. فهي تنسى الإهانة وتفكر فيهِ وتشتاق إليهِ وتتوق إلى رجوعهِ. هكذا تفعل أمنا مريم العذراء، وإن تكدرت من أبنائها الخطأة الذين أهانوها وأهانوا ابنها يسوع وابتعدوا عنها فإنها تنسى خطاياهم وتتوسل إلى ابنها من أجلهم. إن الله رحمة، ومريم هي أم الله، إذن هي أم الرحمة. إنها القناة التي تأتينا برحمة الله. فالرحمة والحنان في قلب مريم الأمومي مصدرهما رحمة الله اللامتناهية، هذهِ الرحمة التي ترغب “في أن يخلص جميع الناس ويبلغوا إلى معرفة الحق”. (1تي2: 4)، إن العذراء العطوفة تعيد لنا كل مرة ثقتنا بأنفسنا وبالله خالقنا ومخلصنا بعدما نكون قد اختبرنا كيف أن الخطيئة قادرة على تحطيم هذهِ المودة مع الله الثالوث ومع الكنيسة الأم مع أنفسنا. فمريم هي حقاً ملجأة الخطأة، والرب أعطانا إياها شفيعة ومحامية، لا بل أماً تصرخ وتصلي أمامهُ: “ارحم يا رب شعبك ولا تسخط علينا إلى الأبد”.
لنصلِّ: يا مريم العذراء الطاهرة الفائقة القداسة، يا أمّنا، نلتجئ إليك اليوم – نحنُ الخطأة – يا أمّ مخلّصنا.
نعظّمك، أيتها الملكة العظيمة، على جميع النِعم التي استمديتها لنا، وخصوصاً على أنّكِ نجيتنا من الجحيم، الذي استحققناهُ مراراً. نحبّك يا سيدتنا اللطيفة، وحبّاً لكِ، نكرّس ذواتنا لخدمتك للأبد، ونوجّه كلّ جهودنا ليحبك الآخرون أيضاً. نضع كلّ آمالنا فيك وخلاصنا بين يديك. آمين