مريم أم الكنيسة
إعداد الأخت مارتينا عبد المسيح
إن العذراء مريم أمنا وأم الكنيسة، التي اختيرت أماً للمسيح منذ الأزل، فحملتهُ وولدتهُ وغذّتهُ وأخيراً تألمت معهُ، قد اشتركت بطريقة فريدة في عمل المخلّص بطاعتها الكاملة وإيمانها العميق ورجائها الوطيد ومحبتها الحارة، وكانت غايتها أن ترد للنفوس الحياة الفائقة الطبيعة التي أهدرتها الخطيئة الأصلية لذا غدت مريم أماً لنا في تدبير النعمة. هي أم الكنيسة بكل حق، ولقد اختبرت الكنيسة وأبناؤها شفاعة مريم القديرة عبر الأجيال فزاد تعلّقهم بها وعظم حبهم لها. يتضح من سفر أعمال الرسل أن مريم كانت نواة الكنيسة الناشئة، وإن الرسل كانوا يلتفون حولها للصلاة، بانتظار حلول الروح القدس عليهم، بحسب وعد يسوع لهم قبل صعودهِ إلى السماء، مع التلاميذ لم تكن مريم هي زعيمة الكنيسة بل كانت أُمها، التلاميذ كانوا يبشرون ويُعمدون، ويثبتون، ويجرون المعجزات، ويكتسبون ليسوع ألوف الأتباع، وهي كانت تصوغ بصمتٍ وعذوبةٍ، نفوسهم وتعلمهُم كيف يفكرون ويشعرون ويريدون على غرار ابنها. كانوا بحاجة إلى حضورها، ومثالها، وسلامها، كيما يظلوا متحدين في الانتظار رغم خوفهم. كانوا بحاجة إلى الذي مات وقام كي يتلقوا ملء الروح القدس الذي سيرسل للكرازة بالإنجيل، ولغرس الكنيسة في العالم.
مريم هي من أبناء الله. لذلك يفهم المرء لماذا شاء بولس السادس إطلاق لقب أم الكنيسة على مريم أمام جماعة الأساقفة المحتشدين في المجمع الفاتيكاني الثاني. إن لقب أم الكنيسة هذا نادر جداً في التقليد الدارج أكثر منهُ صورة الصلة بين مريم والكنيسة. مريم مثال الكنيسة والكنيسة مثال مريم. ما هو أكيد هو أن مريم والكنيسة مرتبطان ارتباطاً وثيقاً. “مريم والكنيسة كلتاهما عذراء وهما كلتاهما أم، حملت كل منهما من الروح القدس، وكل منهما تلد بلا خطيئة أبناء الله للآب. ولدت مريم بلا خطيئة رأس الجسد، وولدت الكنيسة بغفران الخطايا الجسد للرأس. كلتاهما أم المسيح ولكن لا تعطي الواحدة المسيح الشامل من غير الأخرى، ولذلك عندما نقرأ الكتاب الذي أوحاهُ الله، يمكننا تفهم ما يقال على مريم ويمكننا تفهم ما يقال على وجه خاص، في مريم على أنهُ بحق مختص بالكنيسة الجامعة.
لا شك في أن العذراء عضو في الكنيسة، إنها من البشرية التي افتداها جسد المسيح ودمهُ، لكنها العضو الأكثر كمالاً، لذلك توجَد الكنيسة على كمالها في مريم. وإن أمكن القول: “مريم هي الكنيسة قبل الكنيسة”، ولذلك مريم هي مثال الكنيسة (القديس أمبروسيوس) وشخصيتها الجماعية، إن لقب أم الكنيسة، الذي أعلنهُ البابا بولس السادس أمام المجمع نادر. فهو يعني أمومة مريم بالنظر إلى جميع أعضاء شعب الله، لقد أوضح البابا بولس السادس نفسهُ ذلك في قانون إيمان شعب الله: “نؤمن أن أم الله الفائقة القداسة، وهي حواء الجديدة وأم الكنيسة، تواصل في السماء دورها الوالدي بالنظر إلى أعضاء المسيح بمعاونتها على ولادة الحياة الإلهية في نفوس المفتدين وإنمائها”.
إن المجمع الفاتيكاني الثاني، قد أضفى في أمانة للتراث نوراً جديداً على دور أم المسيح في حياة الكنيسة. “إن العذراء الطوباوية من جراء نعمة أمومتها الإلهية التي تتحدها بابنها الفادي، وما لها من مواهب ووظائف خاصة بها، ترتبط بالكنيسة ارتباطاً في الصميم: فوالدة الإله هي صورة الكنيسة على صعيد الإيمان والمحبة والوحدة مع المسيح”. وقد سبق ورأينا أن مريم تقيم منذ البدء إلى جانب الرسل بانتظار العنصرة، وإنها بوصفها “الطوباوية التي آمنت”، حاضرة في وسط الكنيسة السائرة على دروب الإيمان، جيلاً بعد جيل، وإنها مثال الرجاء الذي لا يخيب (روما5: 5). فالكنيسة تحافظ في حياتها كلها على صلتها بوالدة الإله، وهذهِ الصلة تشمل في سر الخلاص الماضي والحاضر والمستقبل. وهي تكرمها بوصفها أم البشرية بحسب الروح، ووسيطة النعمة.
لنصلِّ: يا والدة الإله أن تجعلي قلوبنا تتجه نحو قلب مخلصنا. ضعي فينا محبة الطهارة، اسهري على الكنيسة المقدسة واحفظيها وكوني لها حصناً منيعاً يحميها من هجمات الأعداء، كوني لنا إلى الله طريقاً، وفي الشدائد معونة، وفي الأحزان تعزية، وفي التجارب قوة. آمين