مريم المرأة الملتحفة بالشمس
إعداد الأخت مارتينا عبد المسيح
لا توجدإامرأة تنبأ عنها الأنبياء وأهتم بها الكتاب مثل مريم، رموز عديدة عنها في العهد القديم وكذلك سيرتها وتسبحتها والمعجزات في العهد الجديد. إنها أمنا كلنا وسيدتنا كلنا وفخر جنسنا الملكة القائمة عن يمين الملك، العذراء دائمة البتولية المملوءة نعمة، القديسة مريم الأم القادرة المعينة الرحيمة أم النور أم الرحمة والخلاص، الكرمة الحقانية. هذه هي التي ترفعها الكنيسة فوق مرتبة رؤساء الملائكة فنقول عنها في تسابيحها وألحانها: علوتِ يا مريم فوق الشاروبيم وسموت يا مريم فوق السيرافيم، أشرقت مريم في أعلى السماوات واشتد لمعان ضيائها ليُنير كل المسكونة، أزالت سواد الليل وبشرت كالفجر بظهور الشمس الحقيقية والنور الإلهي. سطعت مريم أم يسوع في الفضاء كأنما في تجلٍ من تجليات الله في العهد القديم، أنارت الليل كالقمر المُكتمل وأزالت الظلمة كالشمس وسط النهار. أختارها الله نجماً متلألئاً، منيراً ومرشداً لكي تعكس صورة ضيائهِ ومجدهِ، لقد بزغت وسط السماء وتسامت فوق كل الأفلاك والشموس الكونية والمجرات وملكها الله على صُنع يديهِ، أنت لنا يا مريم نوراً وأمانٌ نهتفُ إليكِ “السلام عليكِ يا كوكباً لا يغيب مقدماً للعالم الشمس العظيمة”.
“ثم ظهرت آية من السماء: امرأة ملتحفة بالشمس، والقمر تحت قدميها على رأسها إكليل من اثني عشر كوكباً، حبلى تصرخ من ألم المخاض” (رؤيا12: 1-2)، هذا المقطع من رؤيا القديس يوحنا تتلوهُ الكنيسة في أعياد مريم العذراء، ونحنُ نتأمل مع العذراء في شهرها المبارك نتأمل في هذا النص ونكرّم العذراء باللوحة التي تصور لنا انتصار الكنيسة والعذراء على الشر والخطيئة والشيطان. من هي هذهِ المرأة إنها أم المسيح وأم المؤمنين العذراء مريم وهي الكنيسة جسد يسوع السري، إنها ترمز للعذراء مريم أم يسوع التي تشارك ابنها في انتصارهِ وانتصارها معهُ يكمن في أمومتها الظافرة. إنها متوجة بالنجوم ملتحفة بالشمس لأنها ولدت من يرعى الأمم. إنهُ نشيد يعلن انتصار الكنيسة وانتصار العذراء على ما ورد في سفر الرؤيا “اليوم تم النصر والقدرة والمُلك لإلهنا والسلطان لمسيحهِ، فافرحي أيتها السماء وأفرحوا يا أهلها” (12: 10-12). فكما رافقت العذراء المسيح في آلامهِ فوصلت معهُ بعد الانتصار إلى المجد، هكذا تعيش الكنيسة اليوم سر آلام المسيح وانتصارهِ. إن شعب الله يتطلع إلى المسيح وينتظر منهُ الخلاص المرتجى، إن آية الصليب محور آلام سيدنا وفادينا المسيح يسوع وانطلاقهِ إلى المجد. فأمام الصليب ترمز مريم إلى الكنيسة أم المؤمنين فتشترك في آلام ابنها وتترجى فوق كل رجاء. كما أن الكنيسة تعيش في الرجاء فتنتظر عبر صراعها مع قوى الشر القيامة الأخيرة وتجلي ملكوت الله. إن مريم الواقفة قرب الصليب توجه أنظارنا نحو الكنيسة أمنا التي تتحمل الاضطهاد وتنتظر القيامة، وهكذا تبدو الكنيسة ومريم متحدين في حدث الصليب وفي بهجة الانتصار الأخير. إن مريم في الكنيسة ومع الكنيسة بكامل أعضائها، تشترك في آلام المصلوب وتترجى القيامة.
وإذا ما فكرت الكنيسة بمريم وتأملت بها على ضوء الكلمة المتجسد إنها تدخلها بكل احترام وتعمّق إلى صميم سر التجسد، فمريم الحاضرة فعلاً في قلب تاريخ الخلاص تجمع فيها وتعكس متطلبات الإيمان العظمى. وبحسب تفكير يوحنا يبدو دور مريم في تدبير الخلاص مرتبطاً بتفكير شعب الله في العهد القديم، وبالكنيسة التي هي امتداد لهُ لكن ذلك لا يجعل من مريم مجرد رمز، إذ أن لاهوت يوحنا يتأصل دائماً في التاريخ. أجل كانت مريم “أم يسوع” التاريخية وقد فكر يوحنا في دور “أم يسوع” وإنهُ وصفها قبل كل شيء في إنجيليهِ، بأنها أم التلميذ، وأم جميع المؤمنين. لنصلِّ: يا مريم الطاهرة، أمّنا ومعزيتنا العزيزة، نلتجئ إلى قلبك المُحب بكل الثقة التي نقدر عليها، ستكونين دوماً موضوع حبنا وتبجيلنا. فمنك يا موزعة النِعم السماوية، سنطلب دائماً السلام في مِحننا، النور في شكوكنا، الحماية في الأخطار، المعونة في حاجاتنا. آمين