full screen background image

تأمل اليوم السادس عشر من الشهر المريمي

941

مريم كرسي الحكمة

إعداد الأخت مارتينا عبد المسيح

الحكمة ترفع مقام صاحبها وتحوّل إليهِ الأنظار والقلوب. ومَن أجدر من مريم العذراء بجذب القلوب وحبها، لذلك وهبها الله الحكمة لتكون محبوبة ولكي تدير مملكتها الأرضية بالحكمة وتوزع خيراتها على بنيها بالحكمة. يا بتولاً حكيمة وقد ظهرت حكمتك بالنظر الثاقب والواقعية والتطلع إلى الأمور على نور الله وبهديه. يا بتولاً مكرمّة… والتكريم يَتَوَجّه إلى عالم السرّ الإلهيّ، وأمام العَظمة الإلهيّة، كما يتوجّه إلى كل من تقربوا من هذه العَظمة الإلهيّة كالقديسين وخاصة العذراء. ولهذا نسميها البتول الممدوحة والمستحقة كل مديح، وقد تبارى الشعراء والآباء القديسين في إنشاد مدائحها وفضائلها. إنها البتول القادرة… وقدرتها تأتي من ابنها الذي لا يردّ لها طلباً. وهي البتول الحنونة التي تحنو على البشر وتعرف تعاستهم وبؤسهم وشقاءهم، فتصلّي من أجلنا نحن الخطأة، وصلاتها لن تكون صلاة عابرة بل صلاة مواظبة، ومن الحكمة أن يخضع الإنسان لأحكام الله دون تذمر ولا انتقاد، لأن أعمال الله دائماً صوابية وإن ظهرت لنا بخلاف ذلك، وسيدتنا مريم العذراء خضعت في كل حياتها لأحكام الله دون تذمر ولا انتقاد.

على قدر ما يكون الملك مقتدراً تكون أمهُ قادرة مثلهُ. فيسوع الملك قدرتهُ إلهية كذلك تكون أمه قدرتها إلهية، وقد سلّطها ابنها يسوع على كنوزهِ وخيراتهِ. فمن حظنا أن تكون مريم العذراء قديرة بهذا المقدار فتستخدم قدرتها فيما يعود لخيرنا. فكم من الذين كانوا قطعوا رجاءهم لولا قدرة مريم وحنانها، وكم من الذين كانوا هلكوا لولا قدرة مريم ومساعدتها لهم! فيا مريم البتول الحكيمة، تحقق قصد الآب والابن والروح القدس في الخلق والفداء والقداسة، مَن مثلكِ يا عذراء يستطيع أن يحب الآب والابن والروح القدس؟ مَن مثلكِ أيتها البتول الحكيمة قادر أن يمنح الله جسداً ويكون أمّاً للكنيسة ذلك الجسد السري؟

مريم العذراء والدة الإله “كرسي الحكمة الإلهية” هي الأم وهي العرش الذي جلست عليهِ الحكمة لتُشارك الله في أعمالهِ البديعة. لقد رضيت مريم العذراء بأن تصير أُم الكلمة الإلهية فسكنت حكمة الله في أحشائها، ويوم ولدت بحسب الجسد، تربعت كأنما على كُرسي أحضان مريم، واحتُضِنَت بذراعي الفتاة النقية أعني بها والدة الإله، لقد حملت مريم الحكمة الإلهية على يدها، وبيدها الأخرى تشير إليها بأن هذا هو الإله مبدأ الكل لهُ اسجدوا وإياهُ وحدهُ اعبدوا ومن عَشقهُ نال الحياة وأبعد عنهُ الموت. الحكمة هي تاجٌ للملوك إذ تنير أذهانهم بالمعرفة فيقودون شعوبهم بحسب مشيئة الله، ومريم هي تاجٌ كريم لكلِّ ملك يعشق الحكمة ويفضّلها فوق كل شيء، وحدها الحكمة تعرف أسرار الله، ومريم أظهرت هذهِ الأسرار الخفية يوم خرجت منها الحكمة بهيئة إنسان، وأخبرت الكل بتعاليم المسيح الإله: من رآني فقد رأى الآب، أنا والآب واحد. فإذا كانت الحكمة قد جعلت عرشها في السحاب فتكون مريم هي الكرسي والعرش الناري الذي تجلس عليهِ الحكمة، ومنها تخاطب البشر وتنتقل معهم وتُرافقهم في أسفارهم، في فرحهم وحزنهم وضيقتاهم. يا مريم لأنكِ بتول حكيمة، فأنتِ تفرحين بأن تكوني على مثال يسوع خادمة فرحة تنسى ذاتها لأجل من تحب وتخدم، أنتِ التي تسعى دوماً لإظهار مجد الله، هذا المجد الساطع من وجه المسيح ربنا والذي ملأ عينيكِ وغمرَ قلبكِ وأشعَ وجهكِ.

لنصلِّ: السلام عليكِ يا أمنا العذراء القديسة، الكنز الجليل للكونِ بأسرهِ، السراج الذي لا ينطفئ، تاج البتولية، داعمة الإيمان الحقيقي، يا هيكلاً لا يمكن هدمهُ، يا مسكناً لا يمكن لأي مكان أن يحتويهِ، احملي صلواتنا إلى قدس السماء، واجعليها قادرة على منحنا السلام مع الله. آمين.