full screen background image

تأمل اليوم الثامن من الشهر المريمي

969

مريم والدة الله

إعداد الأخت مارتينا

نعلن في “النؤمن” إيماننا بيسوع المسيح ابن الله الذي من أجلنا نحنُ البشر ومن أجل خلاصنا نزل من السماء وتجسّد من الروح القدس ومن مريم العذراء وصار إنساناً. حدث التجسّد هذا أوردهُ القديس لوقا في إنجيلهِ بعبارات بسيطة وإطار يوحي بالخشوع والجلال: ملاك يحاور فتاة اسمها مريم في قرية الناصرة في فلسطين حاملاً إليها من قبل الله رسالة ستكون أماً ليسوع ابن الله ذلك المولود الذي أنبأ عنهُ الأنبياء وتاقَ إليهِ الآباء. وبعد أخذ ورد بغية الاستفهام تجيب مريم دون قيد أو شرط: ليكن لي حسب قولك. فتجسّد ابن الله في حشى مريم بقوة منهُ تعالى فدخل تاريخنا وعالمنا. تجسّد يسوع لأن جواب مريم مفعم بالإيمان والحب ونابع منهما وبقبولها هذهِ الأمومة تكرّست بكل ذاتها لله ولمحبتهِ الخلاصية لبني البشر.   

سمّى المسيحيون الأوائل مريم العذراء بـ: “ثيوذوكس” باليونانية وتعني: التي تلد الله، وقد اتفق على ترجمتها إلى لغات العالم بـ: “أم الله”. أخذ الكلمة جسداً من العذراء مريم فهو ابن مريم ومريم هي أم الله، هذهِ الحقيقة التجسّدية تثبت لقب مريم “أم الله” الذي حدّدهُ مجمع أفسس ولكي نفهم سر التجسد بكل أبعادهِ، علينا أن نقر بوحدة الأم والابن، بوحدة مريم ويسوع وقت التجسد والاعتراف بأن مريم هي “أم الله”.

فجاء مجمع أفسس (431 م.) لينهي بعض الجدل الذي قام حول هذه التسمية. فقرر أن المسيح هو شخص واحد في طبيعتين. وأن مريم هي أم هذا الشخص الواحد ذو الطبيعة الإلهية والإنسانية، أي أن مريم هي أم شخص ابن الله، فهي حقاً “والدة الإله”. وقد قال القديس غريغوريوس (330-395) قبل المجمع بكثير: “الإنسان ابن الله قد اتخذ لنفسه جسداً من مريم العذراء. لذلك حقٌ لمريم العذراء أن تدعى “والدة الإله”. وإن المجمع الفاتيكاني قد أضفى في أمانة للتراث نوراً جديداً على دور أم المسيح في حياة الكنيسة “إن العذراء الطوباوية، من جراء نعمة أمومتها الإلهية التي تتحدها بابنها الفادي، وما لها من مواهب ووظائف خاصة بها ترتبط بالكنيسة ارتباطا في الصميم: فوالدة الإله هي صورة الكنيسة على صعيد الإيمان والمحبة والوحدة مع المسيح”. لقد آمنت مريم أنهُ سيتم ما قيل لها من قبل الرّب وهي العذراء، آمنت إنها ستحبل في أحشائها وستلد ابناً هو “القدوس”، الذي يدعى “ابن الله” واسمهُ يسوع أعني الله المخلص. وهي أمَة الرب التي ظلّت على كمال الأمانة لشخص ابنها ورسالتهِ. وهي الأم “التي ولدت على الأرض، بإيمانها وطاعتها، ابن الآب وهي لا تعرف رجلاً وقد ظلّلها الروح القدس”. الكنيسة تكرّم مريم باسم “والدة الإله” ويلجأ المؤمنون إلى حمايته، ويتضرعون إليها في جميع الأخطار”. (أم الفادي، رسالة البابا القديس يوحنا بولس الثاني). 

عاشت مريم مع الله الذي هو ابنها، وخضع يسوع لمريم امهِ وهو خالقها ومخلّصها. هذا السر الذي لا يُدرك وهو موضوع تأمل لا ينتهي، يكشف حقيقة تجسّد ابن الله حقيقة طبيعتهِ البشرية. إن تسمية مريم “أم الله” يعني إننا نعبّر بالطريقة الوحيدة المعادلة عن سر تجسّد الله الذي صار إنساناً. إن تسمية والدة الله تفوق كل الامتيازات التي نالتها مريم. فكونها والدة الله الوردة الأولى الفائقة كل تصور: وهي إكليل المجد التي تزيّن بهِ رأسها البهي ومنها تفرّعت الزهور الأخرى التي يتلألأ بها نور مريم ومجدها السَني وفاحت رائحتها العطرة، وتألق حسنها الباهر وملأ الأرض والسماء وأدهش كما تقول الكنيسة الملائكة البشر.

لنصلِّ: يا أمنا مريم القديسة، إننا نختاركِ اليوم في حضرة البلاط السماوي أجمعهُ أماً لنا وملكةً علينا، ونهب لك كل أعمالنا وحياتنا الماضية والحاضرة والمستقبلة جميعها، ونكرسها لكِ بكل تسليم وحب، تاركين لكِ ملءَ الحق بأن تتصرفي بنا بكامل ما يعودُ لنا بدون استثناء، لمجد الله وخلاص نفوسنا في هذا الزمن وفي الأبدية. أمين.