full screen background image

تأمل اليوم الثاني من الشهر المريمي

1394

تاريخ مسبحة الوردية

اعداد الأخت مارتينا

مريم هي سلطانة السماء والأرض بفعل النعمة، وكما أن ملكوت يسوع المسيح يحل جوهرياً في قلب الإنسان وباطنهِ، على ما جاء في الإنجيل: “إن ملكوت الله في داخلكم” (لوقا17: 21)، كذلك ملكوت العذراء الكلية القداسة هو بنوع خاص في داخل الإنسان أي في نفسهِ، وقد سلم الله مريم وحدها مفاتيح محبتهِ الإلهية المتدفقة، وأعطاها أن تدخل هي وتُدخِل الأخرين في طرق الكمال السامية والسرية. ومريم وحدها بإمكانها إدخال بني حواء التعساء إلى الفردوس الأرضي، لكي يتنزهوا فيهِ مع الله ويتمتعوا بغبطة لا توصف، ويلوذوا فيهِ بأمان من أعدائهم، ويتلذذوا بطيباتهِ، من ثمرة أشجار الحياة ومعرفة الخير والشر دون خوف من الموت، ليرتووا من المياه السماوية المتدفقة بغزارة من الينبوع العذب. وبما أن مريم هي ذاتها الفردوس أو الأرض البكر المباركة التي طرد منها أدم وحواء فلها وحدها أن تُدخل إليها من تشاء من البشر لتجعل منهم قديسين. (القديس لويس_ ماري غرينون دو مونفور). ولهذا تلاوة صلاة الوردية المقدسة يومياً من قبل المؤمنين تعمل على إرضاء قلب مريم وابنها يسوع. وبهذا ظهرت العبادة للوردية المقدسة من قبل المؤمنين المسيحيين.      

حيث أن صلاة المسبحة قديمة العهد على ما ورد في كتابات المؤرخين إذ إن المسيحيين في القرون الأولى كانوا يستعملون الحبل المعقود عقداً معدودة في عد أعمالهم التقوية، فينقلون إبهامهم على العقدة تلو الأخرى. ولما تأسست الأديرة والرهبنات من القرن الرابع وصاعداً كان الرهبان يصلون الفرض مشتركين وكان يقتصر على تلاوة الصلاة الربية (الأبانا) والسلام الملائكي، وترتيل المزامير الداوودية البالغ عددها مئة وخمسين مزموراً وكان الرهبان الأميين الموكلين للعمل في الأرض معفيين من ترتيل المزامير إذ كانوا يستعيضون عنها بتلاوة الصلاة الربية ثم مئة وخمسين مرة السلام الملائكي. لذا كانوا يستعملون الحبل المعقود مئة وخمسين عقدة لتلاوة صلاتهم الفرضية. ويعود الفضل في ولادة وانتشار صلاة المسبحة الورديّة كما نعرفها اليوم إلى راهب دومنيكي هو دومينينك الشارتريّ من اسبانيا لقد كان رئيس الدّير الّذي يقطنه ينصح الإخوة المبتدئين بتلاوة السلام الملائكي ٥٠ مرّة في اليوم مع التأمّل في حياة يسوع. فقام دومنيك بعدما أوحت العذراء بصلاة الوردية سنة 1213 بتأليف ٥٠ تأمّل قصير يرافق الصلاة ليساعد المبتدئين في صلاتهم. أُعجب الرئيس بطريقة الصلاة هذه وأرسل دومينيك إلى الأديار الأخرى ليقترح عليهم هذه الصلاة. عندها قام دومينيك بتأليف ١٠٠ تأمّل آخر ليصبح عدد التأمّلات ١٥٠ لتضحي هذه الصلاة شبيهة بصلاة المزامير، وقد عمل القديس دومنيك على نشر صلاة الوردية بين الناس بكل حماس وغيرة وإن تسمية هذهِ العبادة بالوردية هو من آية الكتاب المقدس (من سفر الحكمة) كالوردة المغروسة على ضفاف المياه. على أن الوردة بلونها الظريف، ورائحتها الزكية هي أصلح ما يكون للتعبير عن العذراء وجمالها وطهارتها وبهاء عظمتها ومقدرتها وعذوبة رحمتها ومحبتها. ولذلك اعتاد المسيحيون أن يكرموا “الوردة السرية” بتلاوة المسبحة الوردية.

وإن العذراء مريم تطلب بإلحاح تلاوة الوردية، وقد ظهر هذا الإلحاح في معظم رسائلها للعالم وفي مختلف ظهوراتها. وكانت في بعض هذهِ الظهورات تحمل المسبحة الوردية، لتشجعنا على حملها وتلاوتها خاصة في لورد (فرنسا الجنوبية) وفاطمة (البرتغال). إذ تقول العذراء في هذهِ الظهورات: “هذهِ العبادة يكون لك سلاماً تقاوم بهِ الأعداء المنظورين وغير المنظورين، وتكون عربون محبتي للمسيحيين” ويقول القديس دومنيك “بعد الفرض الإلهي وذبيحة القداس المعبودة، ما من مديح لذيذ على قلب يسوع وإمهِ القديسة مثل تلاوة المسبحة بحرارة.

وتتضمن الوردية شيئين هما الصلاة العقلية، والصلاة الصوتية. الصلاة العقلية للوردية المقدسة، ليست سوى التأمل في الأسرار الرئيسية لحياة وموت ومجد يسوع المسيح وأمهِ الفائقة القداسة. أما الصلاة الصوتية للوردية ترتكز في تلاوة خمسة أعشار للسلام عليكِ يا مريم تسبقها الأبانا، فيما نفكر ونتأمل بالفضائل الخمسة عشر التي مارسها يسوع ومريم، في الخمسة عشر سراً من الوردية المقدسة. لذا يقول القديس (لويس مونفور): “لا أجد شيئاً أكثر قوة في جذب ملكوت الله، والحكمة الإلهية إلى نفوسنا كوصل الصلاة اللفظية بالصلاة العقلية، وذلك يتوفر لنا في تلاوة المسبحة وتأملنا أسرارها الخمسة عشر”. في السبحة الأولى التي هي من خمسة أعشار، نكرم ونتأمل في أسرار الفرح الخمسة. في الثانية أسرار الحزن، وفي الثالثة أسرار المجد الخمسة. هكذا فهو مؤلف مقدس من الصلاة الصوتية والعقلية، لتكريم أسرار وفضائل حياة وموت وآلام ومجد يسوع المسيح ومريم. وفي نهاية عام ٢٠٠٢، أعلن قداسة البابا الراحل يوحنا بولس الثاني “سنة المسبحة الوردية” التي استمرَّت من تشرين الأول ٢٠٠٢ وحتى تشرين الأول ٢٠٠٣. وقد أضاف قداسته إلى المسبحة “أسرار النور” التي توجِّه تأمّلنا إلى بعض أحداث من حياة يسوع العلنية التي تتصف بمعانٍ عميقة، وهي: المعمودية، عرس قانا الجليل، إعلان مجيء ملكوت الله والدعوة إلى التوبة، التجلي الإلهي والعشاء السرّي. وتمّ تخصيص يوم الخميس من الأسبوع للتأمل في “أسرار النّور”.

لنصلي: يا مريم أمي أيّتها البتولُ، المثلّثةُ الطوبى والكليّةُ الحلاوة والممتلئة من المراحم، إني أسلّم ذاتي إلى رأفتِكِ مستودعاً نفسي وجسدي وأفكاري وأعمالي وحياتي وموتي، فعينيني يا سيّدتي وقوّيني ضدَّ وَثَباتِ الشياطين وتجارِبهم، واستمدّي لي الحبَّ الحقيقيّ الكامل الذي أُحِبُّ به من كلِّ قلبي ابنَكِ الحبيب يسوعَ المسيحِ سيّدي. وبَعدَ حبّي إياه، أحبُّكِ أنتِ يا سلطانتي فوق الأشياءِ كلّها.