full screen background image

الصوم

532

يستمدُّ الصوم أهميته من دور التوبة وعيد الفصح في حياة الكنيسة والمؤمنين. تقوم الكنيسة طوال أسابيع الصوم بدرب صليب طويل يتألق بالصوم والصلاة والتوبة. إنَّ للصوم وجهين: وجه معاناة من خلال ممارسة إماتة الذات في الزهد والصلاة والتوبة وأعمال البر، والوجه الآخر هو توق وانتظار للقيامة المجيدة بفرح ورجاء كبيرين. ما يزال الكثيرون يمارسون هذا الصوم تحضيراً للعيد الكبير فعبروا عن ايمانهم، بالانقطاع عن الملذات والأفراح والاحتفالات بالصوم والحرمان من جهة وبتكثيف ممارساتهم الروحية من خلال السجود والصلاة والتكفير عن خطاياهم بالندامة والاعتراف من جهة أخرى. باختصار ـ الصوم الكبير هو زمن قوي فيه نتحضر لعيش عيد الأعياد القيامة. ولهذا ربطت الكنيسة زمن الصوم بالقيامة، فأصبح فترة عبور الى القيامة مع المسيح القائم من القبر. يتميز زمن الصوم الكبير بالتوبة وعيشها طبقاً لممارسات الأنبياء وتوصيات الكتب الالهية ويسوع المسيح والكنيسة المقدسة ومجامعها وقديسيها وطقوسها.

الصوم هو زمن توبة وصلاة ومساعدة ومحبة ومصالحة ومغفرة. في الصوم نموت عن ذواتنا لنعبر في المسيح إلى القيامة. إنه زمن النضال للثبات على الأمانة نحو عهد الله: إنه زمن تحرّر.

تدعونا الكنيسة الى التوبة قبل الامتناع عن الطعام، لأنَّ الامتناع عن الطعام ليس عملاً روحيّاً في ذاته، بل هو إشارة ودليل على التسامي الذي تريده الكنيسة لنا في زمن الصوم.

الامتناع عن الطعام إذا لم يرافقه الاكثار من الصلاة، يبقى فارغ المعنى. في الانجيل وقائع عديدة تشير الى الصوم بالتلازم مع الصلاة. فلمّا عجز التلاميذ عن شفاء أحدهم، وإذ تقدم والده من يسوع يشكو عجز التلاميذ، “انتهره يسوع فخرج منه الشيطان، فشُفِيَ الطفل في تلك الساعة” (متى 17/18). ولمّا استفهم التلاميذ من يسوع عن سبب عجزهم هذا، أجابهم: “هذا الجنس من الشياطين لا يخرج إلاّ بالصوم والصلاة” (متى17/21).

وفي أعمال الرسل نرى أنه في لقاء تمَّ في الكنيسة التي في أنطاكية بين بعض الأنبياء والمعلمين، ومنهم برنابا وشاول (أي بولس)، أقاموا الصلاة وهم صيام سعياً لاستلهام الروح القدس: “فبينما هم يقضون فريضة العبادة للرب ويصومون، قال لهم الروح القدس: افردوا برنابا وشاول للعمل الذي دعوتهما إليه. فصاموا وصلّوا، ثمَّ وضعوا عليهما أيديهم وصرفوهما” (أعمال الرسل 13/1-3).

وهكذا نلاحظ أن الصوم والصلاة متلازمان، يرافقان أعمالاً، أكانت شفاء المرض أم أفعال وضع اليد (أي السيامة الاسقفية أو الكهنوتية). ولهذه الأفعال مرتبة عظيمة في الكنيسة تتم في فعلي الصوم والصلاة، وكأنهما فعلاً ارتقاء للجسد، في الصوم، وارتقاء للروح في الصلاة. ففي عملية الارتقاء هذه يتم أمران بالغا الأهمية في الكنيسة، وهما: طرد الشياطين من ناحية، وإحلال الروح القدس من ناحية أخرى.

فالصوم لا معنى له بذاته دون مرافقة الصلاة له. في الصوم يسمو الانسان عن جسده وعن رغباته، وفي الصلاة يسمو الانسان بروحه ليتّحد مع ربه. وكأنَّ الصوم والصلاة معاً يحققان وحدة الانسان في سموّه وتعاليمه عن العالم، ليرتاح مع ربه، ويجد عنده مصدر تجدّده في جسده وفي روحه.

الصائم الذي يصوم لأنه واجب ديني عليه تتميمه، يبقى خاضعاً للشريعة. أمّا الصائم الذي يصوم لأنه يعتبر الصوم سبيلاً لعودته إلى الرب وتجديد علاقته معه ومع الآخرين، هذا الصائم لم يعد خاضعاً للشريعة بل أصبح متعاطياً بعلاقة حرة مع ربه. الصائم الذي يبقى مرتبطاً بالشريعة لا يعرف الفرح. بينما الصائم الذي يرتبط بعلاقة شخصية مع الرب ينال الفرح.

إنِّ أمنا الكنيسة تدعونا أن نتوقف عند هذه المحطة الخلاصية، محطة الصوم التي تساعدنا على إنعاش نفوسنا وتسهيل عمل الروح فينا، فنتجدد روحياً، ونغير حياتنا ونقترب من الله أكثر بتوبة صادقة والاهتداء اليه فنتمكن من الانفتاح عليه والدخول في سره الخلاصي فننال النعمة والمغفرة. اي أنَّ أمنا الكنيسة تريدنا ان لا نبقى على حالنا الاول، بل ان نتغيّر ونجدّد حياتنا.

في أول الكنيسة وبكتب معاصرة للعهد الجديد، مثلاً كتاب تعليم الرسل الاثني عشر يتكلَّم عن الصوم: الكلام يُشبه كلام الانجيل بحسب القديس متى، ولكنه يزيد هذه الفكرة: إذا أردتم الصوم، لا تصوموا يومي الثلاثاء والخميس مع أتقياء اليهود، بل صوموا الاربعاء والجمعة. فالكنيسة أرادت بذلك أن تتميَّز عن اليهود. إذاً في الواقع، الأمر بالصوم غير موجود في نصوص الكنيسة الاولى ولا في كتب العهد الجديد. فكيف دخل الصوم إلى الكنيسة؟ ومن أدخله؟

الذين أدخلوا الصوم إلى الكنيسة هم الموعوظون، الأشخاص الذين كانوا يتحضَّرون للمعمودية. كانوا يتعلّمون في جماعاتهم التعليم المسيحي لمدة ثلاث سنوات. وكانوا يقضون مع الأسقف 40 يوماً، وفي نهايتها كانوا يقبلون سر المعمودية في ليلة الفصح ـ أي سبت النور مساءً. وهذا للتعبير عن عبورهم من الموت إلى القيامة. والعمادات الاولى في الكنيسة كانت تتم ليلة الفصح وليس ليلة الدنح، إذ في تلك الأيام لم تكن موجودة ليلة الدنح.

إذاً بدأَ الموعوظون يقولون إنَّ هذه الفترة مع الاسقف يجب أن نكون فيها متفرِّغين كلِّياً للإصغاء إلى كلمة الله، لأن ليس بالخبز وحده يحيا الانسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله. من هنا بدأ الموعوظون يصومون.

إذاً الغاية الاولى من الصوم كانت الانقطاع عن كلمة العالم للانفتاح على كلمة الله. فالصائم إذاً كان الموعوظ الذي يستعدّ لاستقبال كلمة الله التي عبر سر المعمودية سوف تعبر فيه من خلال موت وقيامة المسيح. هذه كانت الفكرة الاولى. الفكرة الثانية، مع تعاقب الأجيال أصبح المعمَّدون بفترة الموعوظية، يتذكَّرون موعوظيتهم، فيصومون وينقطعون أكثر إلى كلمة الله. وهكذا انتشر الصوم تدريجيّاً في الكنيسة. وفيما بعد نظَّمته الكنيسة بقوانين وقالت إنَّ نهار الأحد لا نصوم فيه لأنَّه ذكرى قيامة الرب، ولا السبت لأنه ذكرى تمام الخلق القديم.

 إنَّ زمن الصوم الكبير يتألف من 7 أسابيع. وهو زمن الاستعداد للاحتفال بذكرى موت المسيح وقيامته. يقيم مؤمنو كنيسة المشرق صياماً يدوم 40 يوماً يعدّها المؤلف المجهول من القرن التاسع على النحو التالي: يبدأ الصوم نهار الاثنين السابع قبل أحد القيامة، ويصومون 6 أيام من الاسابيع الستة الاولى إذ لا يجوز الصيام أيام الآحاد. يكون مجموع هذه الأيام 36 يوماً ُتضاف إليها الأيام الأربعة الاولى من اسبوع الآلام ليصبح الصوم 40 يوماً، في حين أنَّ جمعة الآلام وسبت النور هو صوم خاص للصليب.

إنَّ الصوم الكبير في ترتيبه الحالي هو نتيجة تطوّر تاريخي، بإمكاننا أن نذكر بعض المراحل:

  • في القرن الثاني ورد ذكر صوم تحضيري لعيد القيامة السنوي، وقد كان صوماً قصيراً لم تتجاوز مدته يوماً واحداً أو يومين أو ثلاثة، قبل العيد، ومتعلِّق به.
  • في القرن الثالث امتدَّ هذا الصوم ليصبح ستة أيام في بعض الكنائس، ثمَّ ثلاثة أسابيع في روما. الظاهر بحسب بعض الدراسات الحديثة، أنَّ هذه العادة ذات علاقة بالطقس اليهودي القديم الذي عرف أيضاً فترة تحضيرية لعيد الفصح مدَّتها ثلاثة أسابيع. في أواسط القرن الثالث بدأ المؤمنون بممارسة ليتورجية التوبة والمصالحة مع الصوم استعداداً للفصح.
  • في مجمع نيقية ( سنة 325 ) أصبح الصوم زمن استعداد للمعمودية وشرطاً لغفران الخطايا. فالمؤمنون الذين يحتفلون بسر المعمودية في يوم سبت النور، عليهم أن يبدأوا صيامهم بصوم يدوم 40 يوماً، خلالها لا يأكلون شيئاً وخاصة ما له علاقة بالحيوان مثل اللحم ومشتقاته. لكن رغم جو التوبة والألم كانوا يعتبرون زمن الصوم، زمن فرح ورجاء، لأنهم يؤمنون أنَّ الصوم هو مسيرة تؤهِّلهم إلى النصر والقيامة والمجد.

في مرحلة أخرى، جُمِعَ بين التقليدين، أو بين الصومين: الصوم المتعلِّق بعيد الفصح، والصوم المتعلِّق بعماد الموعوظين. لكن ما زال اختلاف بين التقاليد الكنسية حول بداية الصومين، وحول عدد ونوعية أيام الصيام.

هناك ترتيلة في الكتاب الطقسي لصلاة كنيسة المشرق الحوذرة الجزء الثاني ص69. هذه الترتيلة تشبِّه الصوم بملك، ونفسَنا بمدينة. تقول الترتيلة:

” ها قد أتانا الصوم البهي مثل ملك، فليزيِّن كلٌّ منا نفسه كمدينة تستقبل زعيمها. لنطهِّر قلوبنا من الاثم كما تنظَّف الأزِقّة، ولنُقِم العقل الصافي قائداً على أفكارنا. (كرئيس على الجماهير) : ولنقدِّم لأبصارنا الكتب التي توفِّر الفهم لنا، ولنتضرَّع جميعاً إلى الرب قائلين. “ارحمنا”.

كلّنا نعلم كم من جهود جبارة تُبذَل لتنظيف وترتيب وتزيين المدينة، التي يزورها الملك لتظهر بحُلَّتها الجميلة ومنظرها الرائع. هذا هو واجبنا في فترة الصوم، أن نطهِّر نفوسنا من الحقد والعداوة، والبغض وكل خطيئة متمركزة في أعماقنا، فنجعل أنفسنا أهلاً لاستقبال ملك المجد في عيد القيامة. من هنا، الصوم هو تهيئة لعيد القيامة.

بمعنى آخر، علينا أن نتوب الى الله أبينا المحب، وأن نرجع اليه كأبناء صالحين، محبّين لأبيهم، وعلى كلّ منا أن يتقدم من سر التوبة أي سر الاعتراف ويندم ندامة صادقة على خطاياه ليفرح بالمصالحة مع الله والرجوع الى البيت الابوي وحضنه الوالدي الدافئ. ولكن قبل أن نتصالح مع الله علينا أن نتصالح مع أخينا، أي أنَّ المصالحة مع القريب تُهيئ للمصالحة مع الله.

 لِنرَ سويّة كيف يستقبلنا أبونا السماي عندما نتوب اليه.

كلنا نعرف مثل الابن الضال في انجيل القديس لوقا الفصل15. وفي هذه الأيام يسمّيه اللاهوتيّون مثل الأب الرحيم، أو مثل محبة الأب، لأنَّ التركيز فيه هو على رحمة الاب وغفرانه اللامحدود. في هذا المثل نرى أن أباً كان له ولدان: الابن الاصغر طالب أباه بحصته من الميراث. وبحكم الشرع كلنا نعرف أنَّ الميراث لا يوزَّع على الابناء إلاّ بعد موت الآب، لكن هذا الابن الاصغر، اعتبر أباهُ ميتاً، وأبوه لا يزال على قيد الحياة، هذه هي خطيئته الكبرى، أنه موَّتَ أباه في حياتهِ، هذا الولد أخذ ما يحقُّ له من ميراث والده، وسافر بعيداً، وقطع كل صلته بأبيه ليعيش مستقلاً عنه تماما،ً كما أراد آدم أن يكون سيِّد حياتهِ. خرج الابن الأصغر من بيت أبيه، كما خرج آدم من الفردوس. هذا الابن الأصغر بددّ مال أبيه كما بددّ آدم صورة الله فيه وشوَّهها، ثمَّ صرف كل ماله مع الزواني وافتقر. أصبح أجيراً، يرعى الخنازير، أي يرعى الخطيئة، لأنَّ الخنازير في العهد القديم هي رمز للنجاسة والخطيئة. كاد يموت جوعاً لأنَّ الخطيئة لا تُشبِع أحداً أبداً. بعد ذلك رجع الى نفسه وقرَّر أن يعود الى البيت الأبوي، بعد أن تذكَّر فَيض نِعم أبيه على الخدام الذين يعملون عنده، متمنِّياً أن يقبل أبوه توبته ورجوعه كأحد الخدام لا أكثر، لأنه في رأيه لا يستحقُّ البنوّة بعد، وسيكون سعيداً جداً إذا قبِل أبوه أن يمنحه هذه النعمة، أي أن يكون خادماً عنده. فقام ورجع فعلاً إلى أبيه. وكان قذراً، بشعاً، ثيابه ممزقة، رائحته نتنة، لأنَّها رائحة خطيئة وعبودية. ولكنَّ الاب لم يهمَّه شيء، إنه ولده العائد، ولده الذي رجع سالماً، والذي طالما انتظره. فحالما رآه أبوه ألقى بنفسه على عنقه، وقبَّله طويلاً. وعندما بدأ الولد يقول معترفاً: يا أبتِ أخطأتُ إلى السماء وإليكَ، ولا أستحقُّ أن أُدعَى لك اٌبناً، قاطعه أبوه ولم يدَعه يُكمِل اعترافه هذا، بل نادى الخَدَم قائلاً: أسرِعوا فالخلاص لا يحتمل الانتظار. أسرعوا هاتوا أفخر ثوب وألبسوه. إنَّه ابني! ضعوا خاتماً في اصبعه، ليحقَّ له السلطان على كل بيتي من جديد. ضعوا حذاءً في رجليه ليخرج من حالة التشرُّد والعبودية. إنَّه ابنٌ حرٌّ الآن، فالعبيد وحدهم يسيرون حفاة. لم يكن الابن يستحق شيئاً من هذا، ولكن محبة الاب حلَّت محل عدالته، عندما رأى ابنه عائداً. وقد فرح به لدرجة أنَّه ذبح له العجل المسمَّن، وأقام له عيداً عظيماً. هكذا يكون الفرح في السماء بخاطئ واحد يتوب. هذا كان موقف الاب الذي عكس بالضبط صورة الاب السماوي لأبنائه التائبين اليه. أمّا الابن الأكبر فكان يعمل في الحقل عندما عاد اخوه. ولمّا رجع واقترب من البيت سمع ضجَّة العيد. فسأل أحد الخدم عن الأمر فأخبره هذا عن عودة أخيه سالماً، وعمّا فعل الاب له. غضب الابن الأكبر لأنه ابن الشريعة الذي يمثِّل الفريسيين. إنَّه يرفض الخطأة، وأولهم أخاه. إنَّه يريد محاكمة أخيه، ورفض الدخول الى البيت لأنَّه لم يُرِد أن يجتمع مع أخيه في بيت واحد. فراح يتَّهِم أباه، ويتَّهِم أخاه مُظهِراً أنَّه صاحب الفضل على أبيه. نسي الأبن الأكبر أنَّ حق الحكم ودينونة الاخرين محفوظ لله وحده هو القائل في الانجيل المقدس: ” لا تدينوا لئلا تدانوا “. ورغم تصرُّف الابن الأكبر غير الصحيح، فالأب لم يوبِّخه، ولم يحكم عليه، بل أعطاه فرصة المشاركة في وليمة الغفران، في وليمة العيد. يسوع لم يكمل هذا المثل، بل قطعه هنا، تاركاً المجال، مجال إمكانية الخلاص أمام الابن الأكبر، الذي كما قلتُ يمثِّل الفريسيين. أمّا الابن الأصغر فيمثِّل جُباة الضرائب والخاطئين، الذين كانوا يُقبِلون الى يسوع ليسمعوه ويتوبوا إليه، مما أثارَ تذمُّر الفريسيين، لأن يسوع يخالط الخاطئين ويأكل معهم. الرب يُعلن لحزقيال النبي باَّن مرضاته ليست بموت الشرير بل بتوبته عن طريقه الشريرة فيحيا. الله يُبغض الخطيئة ويحبُّ الانسان ولو كان خاطِئاً. فإن تابَ وعادَ عن شرِّه يخلِّصه الرب. وإن لم يتُب يهلك بخطيئته

إنَّ اله العهد القديم، اله الطوفان، إله سدوم وعامورة، إله الزلازل والرعود، إله السبي، إله التهديد…وما شابهها من أوصاف، ذهب إلى غير رجعة في العهد الجديد، بعد أن تكلَّم يسوع عن مثل الابن الضال. ما أروع هذا المثل الذي يُظهر عِظم محبة الاب، الذي هو صورة الاب السماوي. أبناؤه يبتعدون عنه بالخطايا، وهو يبادلهم بالمحبة اللامتناهية.

إنَّ آباء وأمهات اليوم كلَّهم مدعوون ليكونوا انعكاساً للأب السماوي، أي أن يتحلّوا بالمحبة والرحمة اللامحدودتين مع أولادهم الذين أخطأوا، فيقبلونهم برحابة صدرعندما يريدون الرجوع الى البيت الأبوي كما يقبلنا الله الآب دوماً، وإلاّ سيعرِّضونهم للهلاك الابدي.

بالاضافة الى فكرة التوبة فالصوم يهدف أيضاً إلى اشراك الانسان في صليب المسيح، لكي يدخله ضمن تصميم الفداء، فيرى في صومه واماتاته استمراراً لآلام المسيح واشتراكاً معه في خلاص البشر إخوته: ” أتمم في جسدي ما نقص من آلام المسيح، في سبيل جسده الذي هو الكنيسة “(قولسي 1/24). وهكذا يصبح الصوم ” انفتاحا ًً” على نعمة الفداء وسبيلا ًيدخلنا إلى سر المسيح الخلاصي، ووسيلة لاكتساب المزيد من الوعي المسيحي الذي يجعلنا نفهم أن لكل شيء في حياتنا معنى عميقاً وطابعاً خلاصياً، وان جهودنا وآلامنا ليست باطلة، بل هي وسيلة تقربنا من المسيح وتدمجنا به، أي عندما نشرك آلامنا بآلام المسيح نحقق خلاصنا وخلاص اخوتنا.

نستطيع ان نقول إنّ الصوم بالنسبة لنا هو الانتقال مع المسيح من صخب العالم وضجيجه الى خلوة الجبل المقدسة التي تهيئ الفداء الخلاصي وتهيئ القيامة. الصوم إذاً هو رحلة، مسيرة نُبحِر فيها مع المسيح صوب الاب.

الاخت فيليب قرما

من بنات مريم الكلدانيات