full screen background image

الصوم والصلاة والصدقة

1464

ا

الأخت كلارا

المسيح يحترم إرادة كل واحد منا. وعندما نقّرر أن نسلك طريق البرّ والصلاح لا بدّ من الالتزام بوعدنا وإتخاذ الوسائل التي توصلنا إلى أهدافنا. حياة البرّ هي حياة القداسة والكمال التي ينتظرها منا يسوع. لذلك لا بدّ من تحويل قلوبنا نحوه، للعمل بمشيئته بمحبة أبنائه. أعمال البرّ والكمال الموجودة في الديانات على اختلافها والتي تمهّد لعلاقاتنا مع مجتمعنا ومحيطنا هي: الصدقة التي تنظّم علاقاتنا مع قريبنا، والصلاة التي تسّهل علاقتنا مع الله، والصوم الذي يجعلنا نسيطر على ميولنا المنحرفة وجسدنا لكيلا ننجرف بتيار شهواته.

الصدقة هي ما تصنعه ليسوع في إخوته الصغار، ولا يصلح أيُّ عذر لحجب الصدقة عن معوز محتاج، بل هو هروب من واجباتنا ومحبتنا المسيحية نحو الآخرين وخاصةً نحو المرضى والمحتاجين والبائسين. وطلبنا الذي نرفعه إلى الآب السماوي أثناء الصلاة، والذي لا يستجاب له في حينه، لا يجب أن يكون سبباً لانقطاع علاقتنا معه تعالى الذي يعمل دائماً لخلاصنا وخيرنا الأبدي.

والحجج التي تبعدنا عن الصيام، ليست إلاّ خوفاً من خسارة راحتنا وأنانيتنا. والسعادة الحقيقية لها ثمنها والصلاة هي ضرورية لها، شرط أن تمارَس بمفهومها الصحيح.

فالصلاة ليست بالكمية، بل بالنوعية. والرب ليس بغريبٍ عنا، هو أبونا الذي بادر وأحبنا، وغفر لنا خطايانا، ويريد مساعدتنا لخيرنا الأرضي والروحي، أي على الأرض وفي السماء حيث الحياة الأبدية والنعيم السماوي. والصلاة ليست أنانية، بل تتوجه للآب السماوي ببساطة الأطفال وبراءتهم، وبثقة اننا سننال ما نبتغيه لخيرنا ولتمجيد وتسبيح ربنا.  باسيليوس الكبير قال أن الصوم يبطئ ويُطفئ الحروب. في الصوم ينقطع المؤمن عن الفكر الشرير والعمل الشرير، يصبح الصوم مفكّرة تفكّره وتذكّره دائماً بالعمل الصالح، بالامتناع عن الأعمال الشريرة. الصوم مَنْخَسْ ينخس الإنسان للعودة الى الله لاقتناء الفضائل والأعمال الصالحة. الإنسان شخصٌ في روحٍ وجسد، الجسد يخضع للتدريب، وتدريب الجسد يفيد الروح جداً.

أمّا الصلاة فهي مناجاة الله، إن أنجزنا الصلوات بتقوى ووضوح وتركيز وخشوع أصبحنا أصدقاءً لله. الصلاة الحارة هي إرتماء الإنسان بين يَديّ الله، متى جمعنا أفكارنا جمعاً متيناً وصلّينا راكعين خاشعين مبتهلين إقتربنا من الله كثيراً. برئتين نتنفس الهواء بالصلاة الحارة النقية الطاهرة نتنفس روائح الله وأنوار الله. كيف أتّصل بالله وكيف يتصل الله بي؟ هل خلقني وتركني أمْ خلقني ليجدني؟ كيف أستطيع أن أكون صديقاً لله، شريكاً لله قريباً من الله؟ الصلاة هي التي ترفعني بكليّتي روحاً وجسداً الى الله. أُغلق عيني وأذنيّ وحواسي عن هذا العالم وأرتفع عنه وأجتمع بالله بصفاء وإبتهال، أكون بين يديّ الله أودع نفسي أودع ذاتي بيد الله وأصبح وديعة لديه، أتخلّص من ذاتي قدر المستطاع لأنطلق الى الله.

امّا الصدقة فهي مهمة جداً أوصى بها يسوع في إنجيل متّى وفي إنجيل لوقا ولكن شريطة أن لا تكون فرّيسية الشكل، وحب الظهور وجذب مدائح الناس. يجب أن تكون في الخفيَة ليعلم بها الآب السماوي فقط. الصدقة تعبير كبير عن المحبّة والشفقة والحنان واللطف والوداع ورقّة القلب.

في النهاية الصوم والصلاة والصدقة مترابطات، لا بدّ من أن نجمعهم في منطقة واحدة. فإذاً الصوم والصلاة والصدقة هي أيضاً وسائل للعيش المسيحي الكامل الصوم والصلاة والصدقة بهذه جميعاً نرتقي الى الله ونتحّد بالله ونؤهّل أنفسنا تأهيلاً جيداً لنكون مع الله دائماً في ملكوتٍ أبديٍ لا يحول ولا يزول.

فيا أيها الرب الإله العظيم، أنعِمْ علينا دائماً أن نكون في رضاتك… في محبتك، فأشملنا وعاهدنا بأن نعيش لك حياة سعيدة بالتمام لنفوز بملكوتك السماوي بشفاعة جميع القديسين آمين.