full screen background image

مريم في الإسلام

1601

الأخت فرح يوسف آدم دودو

المقدمة:

       لا يوجد كتاب سماوي سجّل بعظمة شخص مريم العذراء كما ذكرها القرآن الكريم. هذا لأنها نقيّة، طاهرة، وعفيفة، وكذلك وصفها بأنها الخير والصلاح والإرشاد، والنقاء والإستقامة، وقبس من الفضيلة والقداسة، والزاهدة عن ترف الحياة.

     مريم هي الرمز والمثال الحضاري والأنموذج الحي لكل فتيات العصر ونساء العالم، لأنها العذراء المجاهدة الصابرة على قساوة الدنيا، المؤمنة بما وَهَبت ووهُبت، وأخيراً هي المدافعة عن القيَّم والحفاظ عن سيدنا عيسى المسيح.

     ومن هذا المنطلق وباسم هذه الصفات التي جُبِلَت بها، أُعطيت مريم نعمة لم تعطى إلا لها فاستحقت شرفًا عظيمًا بسورة قرآنية حَمَلت اسمها كعنوان يتردد على كل لسان، وذِكر خالد مع الرسل والأنبياء، وهل هناك نعمة أَجَلّ من أن يخاطبها الله سبحانه على لسان ملائكته الأطهار: “إذ قالت الملائكة يامريم إن الله اصطفاك وطهّرك واصطفاك على نساء العالمين”.

أي مجدٍ أعظم من هذا المجد الخالد الذي استحقته هذه السيدة المباركة بولادة معجزة لم يخص بها غيرها من نساء الدنيا، بأن وهبها الله سبحانه ولدًا طاهرًا لم تدنسه أية علاقات، فكان من روحه عز وجل نقيًا، وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين.

نَسب مريم:

     يرجع نَسب السيدة مريم بنت عمران والدة السيد المسيح عليه السلام الى نبي الله سليمان بن داؤد عليه السلام. ويقول المؤرخون العرب إنها مريم بنت عمران بن الهشم بن أمون من ولد سليمان بن داؤد، ووالدتها كانت تدعى حنة وهي بنت فاقود بن قابيل. وكانت السيدة حنة من أطهر النساء العابدات التقيّات المؤمنات بالله سبحانه وتعالى. وكان النبي زكريا نبيًا ذلك الزمان – زوجًا لخالتها كما يجمع على ذلك أغلب المؤرخون.

طهارتها قبل الولادة:

     كانت حنة والدة مريم عاقراً لا تحمل، ويقولون إنها خرجت في إحدى الأيام من دارها وكانت أمام شجرة تبني فيها العصافير أوكارها، فرفعت السيدة حنة بصرها الى أحد الأغصان فرأت عصفورة تزق أفراخها الصغار، والأفراخ تمدّ رقابها وتفتح مناقيرها الصغيرة لتأكل الطعام. فتحركّت عاطفة الأمومة عند حنة وتمنّت لو أصبحت أمًا. وفي هذه اللحظات اتجهت بدعائها الى الله كي تحمل، وقَرنت دعائها بنذر قطعته على نفسها فنذرت على خدمة بيت المقدس، وكانت تأمل أن تلد ولدًا:

 “إذ قالت امرأة عمران ربِّ إني نذرت لكَ مافي بطني محررًا فتقبل مني إنك السميع العليم”.

 فاستجاب الله سبحانه لدعائها فحملت، وحين وضعت وجدتها أنثى فاتجهت بقلبها الى الله قائلة: “ربِّ إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت، وليس الذكر كالأنثى وإني سميتها مريم وإني أعيذها بك وذرّيتها من الشيطان الرجيم”.

   ولقد منَّ الله جلَّ وعلا على السيدة حنة فاستجاب مرة أخرى لدعائها، وأكرم ابنتها مريم فاصطفاها وطهّرها على نساء العالمين. ويروى عن رسول الله إنه قال: “ما من مولود إلا وقد عصره الشيطان عصرة أو عصرتين إلا عيسى ابن مريم وأمه مريم”.

     وأما كلمة مريم فقد جاء معناها كما قال المفسرين أنها العابدة أو خادمة بيت الله. ويضيف المفسرون بقولهم أن مريم رغم كونها أنثى فإن الله العلي العظيم رضي بالوفاء بالنذر الذي نذرته أمها السيدة حنة، وقَبَل بأن تكون مريم عابدة وخادمة لبيت الله المقدس، وكانت بذلك أول انثى يناط بها مثل هذ العمل الشريف. فبعد أن وضعت السيدة حنة ابنتها تقبّلها الله وأضفى عليها جمالاً ملائكيًا ومنحها التقوى والورع: “فتقبّلها ربُّها بقبولٍ حسن وأنبتها نباتًا حسنًا”.

     وقد نشأت السيدة مريم العذراء برعاية الله وتربيته لها، فقد ترعرعت ونشأت على عين الله تعالى، وفي جوٍّ يعبق بالإيمان والإخلاص، والعبادة بعيدة عن الرذائل الخلقية والمفاسد الروحية. وقد كانت كثيرة الاجتهاد في عبادة الله تعالى حتّى فاقت الأحبار، يُنقل عن ابن عباس انه قال: أن مريم حين بلغَت التاسعة من عمرها كانت تصوم النهار وتقوم الليل وتبتّلت، ولذا يسميها البعض بمريم البتول وغلبت في عبادتها وتبتُّلها أحبار اليهود.

     وهذا أمر طبيعي جداً لإمرأة ستتحمل مسؤولية السر الإلهي والمعجزة الكبرى، ألاّ وهي الولادة العجائبية للمسيح (عليه السلام). فلتهيئة وإعداد مثل هكذا امرأة يجب أن تكون في أعلى مراتب الإنقطاع الى الله تعالى والاجتهاد في عبادته سبحانه. فكانت مريم تقضي كل وقتها في محراب العبادة، فلا يدخل إليها أحد الاّ النبي زكريا، فقد كان يأتي إليها بالطعام والشراب كل يوم. فكان يجد عندها فاكهة في غير أوانها، فكلما جاءها زكريا وجدَ عندها فاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف غضّاً طريّاً، وهذه تكرمة من الله لها. فاحتار النبي زكريا (عليه السلام) في ذلك وسألها عن مصدر الرزق فقالت: (إنه من عند الله). وقد ذكر القرآن الكريم هذه المعجزة لها في قوله تعالى:  (كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمَـحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَاب).

الموضوع له صلة