“أرسلني يارب أينما تُريد ومتى ما تريد”
رواء أفو البنا
لم يكن بُعد المسافات، أوغيابي عن مجال التعليم المسيحي لظروفٍ خاصة – عائقًا أمام الأخت الفاضلة حنان إيشوع، بأن تُدرك ما تعنيه لي رسالة التعليم المسيحي، وذلك من خلال خبرتها وشغفها بهذه الرسالة السامية. فقد استطاعت ومن خلال متابعتها لدرس تعليمي كنت قد قدّمته أمامها في احدى كنائسنا خلال إحدى زياراتها، بأن تقف على جوهر هذه الرسالة بالنسبة لي.
ولن أنسى يومها الإعجاب الذي أبدتهُ لاسلوب شرحي للموضوع الذي اخترته لذلك اللقاء الأسبوعي. حيث أعطاني هذا التشجيع وقتها قوة في الاستمرار والإبداع أكثر.
فعامل التشجيع عنصر مهم لدى من يمتلكون قدرا ً من المواهب. وعلى العكس من ذلك طبعا ًحينما يتلقى صاحب الإمكانية الإنتقاد الدائم، في حين يُوجَّه التشجيع لمن لا يمتّون للتعليم بأي صلة، عندها يبدأ الإحباط – الذي هو أحد عيوبنا البشرية – بالتسلل الى النفوس وما يخلّفه هذا الإحباط من نتائج. وهنا أتوقف لأقول رفقا ً بأصحاب المواهب، لأن ما يمتلكوه ليس بفضلهم بل هو من نِعم الروح القدس، الذي يُعطـــــي ويَهب بدون حساب لمن يطلب منه ذلك بكل عقله و لسانه و فكره.
إن التعليم المسيحي بالنسبة لفكري المتواضع، ما هو إلا دعوة من الروح القدس تهدف إلى تقديم يسوع “ذلك الطفل الإلهي الذي وُلِدَ إنسانًا مثلنا ليعلّمنا كيف ننمو بالنعمة والقامة والحكمة” (لوقا 25:2)، إلى أطفالنا وبأبهى الصور بعيدا ً عن كل ما من شأنه أن يشوّه تلك الصورة.
لقد طُلِبَ مني مرارًا كثيرة بأن أَنضَمَّ إلى كادر التعليم قبل أن أنتمي فعليا ً لهذه الخدمة المميزة، وذلك بسبب عدم تيقني بأنني مؤهلة تماما ً لتلك اللقاءات المهمة التي ستجعل مني ناقلة للبشرى، وهذه مهمة صعبة ولذيذة بنفس الوقت. إلى أن سنحت لي الفرصة للإلتحاق بمعهد التثقيف المسيحي ومعهد الآباء حيث أنهيتهما بامتياز.
ومع بداية دراستي ابتدأَت مسيرتي في التعليم
بخطىً ثابتة بعون الرَّب واستمرت على مدى سنوات طويلة. ومن خلال الدراسة والبحث والتأمل،
كنت أنمو روحيًا وفكريًا وإيمانيًا، وأنقل هذا النمو الى أحباب يسوع وبمختلف
المراحل. ومن أبهج وأبهى المراحل التي قمتُ بإيصال تعاليم المسيح لهم… هم طلبة
التناول الأول… لِما كانوا يمتلكونه من شوقٍ ولهفة لتذوّق جسد الفادي لأول مرة،
باحثين وسائلين عن الإله الذي هو الرَّب الحافظ لخطواتهم، وبنفس الوقت هو الصديق الذي لم ولن
يملّ من تواجدهم في حياته وتواجده في حياتهم. هو القلب الذي سيبقى ينتظرهم
لكي يقرعوا على بابه فيدخل و يتعشى معهم (رؤ20:3).
لقد كانت خدمتي متواضعة لكنني فخورة بها،
لأنني كنت أشعر بمساندة الروح القدس بشكل لا يوصف. فما أن أقرّر وأختار الموضوع
المناسب، حتى تبدأ الأفكار التي تُسهّل وتُبسّط الموضوع بالتدفق، سواءً أكان ذلك على
شكل ترتيلة أو مشهد بسيط أو وسيلة إيضاح تجعل اللقاء شيقًا. وهذه المساندة تحتاج
من معلم التعليم إلى إصغاء ورغبة وإحساس، لكي يتمكن من إيصال المعلومة بكل أمانة
وصدق وحرص. فأحباب يسوع هم خام أبيض، يحتاجون أن نضع أمامهم قدوة صالحة على قدر الإمكان،
لأننا وبكل تأكيد بشر ضِعاف، ولدينا من العيوب ما يعيقنا لنكون قدوة كاملة، ولكننا
نحاول جاهدين بأن نقود أطفالنا لكي يستطيعوا أن ينهلوا من بحر الصفات الإنسانية
الفريدة لمعلمنا الأعظم وقدوتنا الكاملة يسوع المسيح .