قصة ميلادية
مترجمة عن الأيطالية: الأخت دميانة زيا
مارتن، رجل مهنته إسكافي يعيش في احدى المدن الايطالية. كانت له غرفة صغيرة بنافذة تطل على الشارع يعمل بها في الطابق السفلي، لذلك هو لم يستطع أن يرى إلا أقدام الناس المارة، ولكنه عرف الكثير منهم من خلال أحذيتهم، التي كان قد أصلحها لهم بنفسه. كان دائما لديه الكثير ليفعله، لأنه كان يعمل بشكل جيد، وكان يستخدم مواد ذات نوعية جيدة، وعلاوة على ذلك، هو لم يكن يأخذ من الناس اجورا غالية.
كان مارتن يائسا بما فيه الكفاية ليوبخ الله، بسبب موت زوجته وأطفاله، قبل سنوات. وفي يوم من الأيام، اتى لزيارته رجل مسن من ابناء قريته، وكان هذا الرجل حاجاً وذو سمعة كقديس. عندها فتح مارتن قلبه له وقال: “ليس لدي أية رغبة في العيش بعد الآن”، ” انا اعترف – ليس لدي المزيد من الأمل”.
فأجابه الرجل المُسن: “يأسك يرجع إلى حقيقة أنك تريد أن تعيش فقط من أجل سعادتك. اقرأ الإنجيل وستعرف كيف يريدك الرب أن تعيش”. وفي اليوم التالي اشترى مارتن لنفسه كتابا ًمقدسا ً، وقرر في البداية أن يقرأه في أيام العطل فقط، ولكن بمجرد أن بدأ القراءة، حتى شعر بالارتياح والرغبة بالاستمرار لقراءته كل يوم.
وفي إحدى الأمسيات وبينما هو يقرأ في إنجيل لوقا، وتحديدا ً إلى المقطع الذي دعا فيه الفريسي الغني الرب إلى بيته، وكيف دخلت امرأة خاطئة لتدهن أقدام الرب وغسلتها بدموعها. فقال الرب يسوع للفريسي، “انظر هذه المرأة؟ دخلت منزلك وأنت لم تعطني الماء لقدمي. بدموعها غسلت رجليّ ونشفتهما بشعرها … لم تدهن رأسي بالزيت ، لكن مع مرهم معطر، دهنت قدميّ”
هنا بدأ مارتن يفكر !! كان على الفريسي أن يكون مثلي! إذا جاء الرب إلي، هل أتصرف هكذا؟ ثم وضع رأسه بين ذراعيه ونام.
فجأة سمع صوتا ً واستيقظ مع بداية أول طرقة على الباب. لم يكن هناك أحد. لكنه سمع بوضوح هذه الكلمات: (مارتن! انظر إلى الشارع غدا ً ، لأني سأأتي).
وفي صباح اليوم التالي استيقظ مارتن قبل الفجر وأشعل النار وأعد حساء الملفوف والشوفان. ثم وضع عليه المأزر وجلس للعمل وكان قريبا من النافذة. لكنه فكر مرة أخرى في الصوت الذي سمعه في الليلة السابقة، فأكثر من العمل، واستمر في النظر إلى الشارع. وفي كل مرة كان يرى أحدا ً ما يلبس حذاءا ً لم يكن هو من قد أصلحه لعله من خلاله يعرفهُ، وكان مارتن يتطلع لرؤية وجه الله الذي سيزوره. فمرت أمرأةٌ حامل أولا ً من أمام النافذة، ثم رجلٌ كان يحمل دلو ماء. ثم بدأت أمرأةً عجوز تعمل في أحدِ متاجر الحي تدعى ستيبانيك، بجرف الثلج من أمام نافذة مارتن، الذي رأها واستمر في عمله.
وبعد أن أدخل اثنتي عشرة وخزة في حذاءٍ كان يُصلحهُ، نظر مرة أخرى من خلال النافذة فلاحظ إن ستيبانيك قد أتكأت المجرفة على الجدار وكأنها اما أن تستريح أو تحاول الاحماء ! فخرج مارتن إلى المدخل ولوح لها وقال “تعالي، تعالي وتدفئي قليلاً فالجو باردٌ جدا هنا في الخارج”.
“بارك الله فيك” أجابت ستيبانيك ونفضت الثلج عن ملابسها وفركت حذاءها جيدا قبل ان تدخل حتى انها تعثرت وسقطت تقريبا. فقال لها مارتن: “لا عليكِ، إجلسي وأنا سأحضر لكِ الشاي”، ملأ قدحين من الشاي وقدم واحد للضيفة وواحداً لهُ. فشربت ستيبانيك بنفس واحد، وكأنها تود أكثر من ذلك بقليل. فملأ مارتن القدح مرة أخرى للضيفة، وبينما كانوا يشربون، ظل مارتن ينظر إلى النافذة. فسألته ستيبانيك هل تنتظر شخص ما؟
أجابها مارتن قائلاً: مساء أمس، وبينما انا أقرأ النص الانجيلي الذي يروي مشهد ذهاب المسيح إلى منزل أحد الفريسيين الذي لم يرحب بزيارته. لنفترض أن شيئًا كهذا يحدث لي وأنا الأن أنتظر عيد ميلاد رب المجد، فما الذي سيحدث إن لم أكن مُستعدا ً لأستقبله! وبينما انا أتذمر، سمعتُ صوتا ً يقول لي: “انظر إلى الطريق غداً، لأني سأأتي”. فعندما سمعت ستيبانيك هذا الكلام، تدحرجت الدموع أسفل وجنتيها. وشكرت مارتن قائلة ً: شكرا ً يا مارتن. فقد منحتني الراحة للروح وللجسد.
بعد ذلك بقيت ستيبانيك جالسة مع مارتن في أسفل غرفة خياطة الأحذيه. وبينما كان مارتن ينظر من النافذة، جاءت امرأة تلبس حذاء الفلاحين ووقفت بجانب الجدار. رأى مارتن أنها كانت مرتديةً ثيابا ً بائسة وكانت تحمل بين ذراعيها طفل رضيع بحيث إنها أدارت ظهرها إلى الريح، محاولةً تدفئة الصغير بملابسها، بالرغم من أنها كانت ترتدي ثوباً صيفياً رثا ً. هنا خرج مارتن ودعاها للقدوم الى منزله ِ، وقدم لها بعض الخبز وبعض الحساء. وقال لها: ” تفضلي كُّلي انتِ وصغيركِ يا عزيزتي”
تناولت المرأة وطفلها الطعام، وعرفته عن نفسها من تكون قائلة: “أنا زوجة جندي. أرسلوا زوجي قبل ثمانية أشهر ولم أعرف أي شيء عنه حتى الأن. لم أجد عملا ً واضطررت لبيع كل شيء، كان علي أن أوفر الطعام لأبني. وأمس أحضرت آخر شال عندي لكي ارهنه”.
هنا ذهب مارتن لخزانتهِ فوجد معطفاً قديماً، وقال لها: “إنها رثة و صغيرة ولكنها كافية كي تلفي بها الصغير. فأخذته وانفجرت بالبكاء، وقالت ليُباركك الرب. ولم يكتفي مارتن بما فعله للمرأة بل أعطاها بعض المال لفك رهان الشال أيضاً، ثم رافقها إلى الباب.
عاد مارتن للجلوس وللعمل، وفي كل مرة يسقط فيها ظل على النافذة، يتطلع إلى رؤية من كان يمر. وبعد فترة، رأى امرأة تبيع التفاح في سلةً تحملها بين يديها. وعلى ظهرها كانت ترتدي كيسا ً ثقيلاً ومن ثقلِ وزنهِ فأنها كانت تنقلهُ من كتف إلى الاخر. وبينما كانت تضع السلة على الأرض،كان صبيا يرتدي قبعة ممزقة مارا ً من هناك، أخذ تفاحةً وحاول التسلل. لكن المرأة العجوز أمسكته من شعره ِ، ووبخته بمرارة فصرخ الصبي.
عندما رأى المنظر مارتن ركض نحوهما. فسمع المرأة تُهدد بأخذ الصبي إلى الشرطة. فقال مارتن: “دعيه يذهب يا جدة، واغفري له، من أجل المسيح”. فبعد ان سمعت المرأة العجوز كلمات مارتن تركت الصبي في الحال. فأمر مارتن الصبي بطلب العفو من الجدة. فبدأ الصبي يبكي واعتذر على فعلتهِ. فأخذ مارتن تفاحة من السلة وأعطاها للصبي قائلاً للجدة: “سأدفعها لك يا جدتي. فقالت له المرأة العجوز:”هذا الوغد يستحق أن يُجلد”، فأجابها مارتن: “يا جدتي، إذا كان يجب أن يُجلد لسرقة تفاحة، فماذا نفعل من أجل كل خطايانا؟ الله يأمرنا أن نغفر للاخرين، وإلا فلن تُغفر لنا خطايانا، فيجب علينا أن نعفو لشاب لا يفكر. فقالت المرأة المسنة: “سيكون هذا صحيحًا أيضًا، لكنهم أصبحوا مُدللين بشكل فظيع”. وبينما كانت على وشك وضع الكيس على ظهرها، صعد الصبي إلى الأمام. و قال للجدة: (دعيني آخذه عنكِ يا جدتي. أنا أصنع الطريق أمامكِ)، فوضعت المرأة الكيس على أكتاف الصبي وخرجا معاً.
بعد أن حل مارتن المشكلة بين المرأة العجوز والصبي عاد للعمل، ولكن كان الظلام قد حل ولم يعد قادراً على وضع الإبرة في الثقوب الموجودة في الجلد. فالتقط أدواته، وجرف خردة الجلد من الأرض ووضع مصباحاً على الطاولة. ثم أخذ الكتاب المقدس من الرف. أراد فتح الكتاب على الصفحة التي وضع عليها علامة ، ولكنه فتح مكانًا آخر بدلاً من ذلك. فسمع وقع خطوات وهمسَ صوتٌ في أذنهِ قائلا ً: (مارتن، ألا تعرفني؟) فسأله مارتن قائلا ً: من أنت؟
فأجابه الصوت: “هذا أنا”، ومن زاوية مظلمة من الغرفة جاءت ستيبانيك، التي ابتسمت ثم اختفت مثل سحابة.
“هذا أنا “، قال الصوت مرة أخرى. وظهرت المرأة مع الطفل بين ذراعيها. ابتسمت وضحك الصبي الصغير، ثم اختفيا.
(إنه أنا)، مرة أخرى الصوت يُنادي، فظهرت المرأة العجوز والفتى مع التفاحة في المقابل، فابتسموا واختفوا.
شعر مارتن بالسعادة، فبدأ بقراءة الإنجيل حيث فتح الكتاب، وفي أعلى الصفحة، قرأ: “كنت جائعاً وأعطيتني طعاماً ، وكنت عطشاً فرويتَ عطشي ، وكنت غريباً ورحبت بي” وفي أسفل الصفحة، قرأ: كم فعلت بواحد من أشقائي، فعلت ذلك بي”
لذا أدرك مارتن أن المخلص قد جاء إليه في ذلك اليوم وأنه تمكن من الترحيب به.