مع مريم نحمل يسوع الى العالم
الأخت دميانة زيا
(مريمُ يا نايَ ألحانِ السماءْ، إنّي بوجهِكِ كلَّ آنٍ مُحدِقُ، ينسابُ عِطرُكِ في حنايا أضلُعي، وشَذا حنانِكِ في الخليقةِ يورِقُ، حبّي لكِ غلّفتُه بتضرّعٍ، أن يبقى عمري في رضاكِ يُهرَقُ). كم جميلة هي كلمات هذه الترتيلة التي تُشادُ بعطر قداسة مريم أم يسوع وأمنا جميعا ً. فمريم بمحبة وتواضع قَبِلت من الملاك جبرائيل البشارة بولادة رب السمواتِ والأرض.
مريم، لا نعرف ماذا كُنتِ تفعلين عندما ظهر الملاك جبرائيل مُلقيا ً عليكِ السلام ومبشراً إياكِ بالحبل الطاهر، هل كُنتِ مشغولة بتنظيف المنزل؟ أم بإعداد الطعام ؟ أم كُنتِ تُصلين؟ كل هذهِ الأسئلة تتُبادر الى ذهن من يتأمل بِشارتكِ من الملاك جبرائيل، لأن هذا الحدث هو الفريد من نوعيه ولهُ رهبة كبيرة أيضاً.
وبعدما رحل الملاك من عندكِ يا مريم بقيتي لوحدِكِ تتأملين مُندهشة ببشارة الملاك لكِ و بأختيار الله لأحشائكِ لتكون المستودع الذي يحمل كلمتهُ المُتجسِدة، كلمتهُ التي ستُغير وجه العالم و تُرجع الرجاء لهُ بعدما أنفقد منهُ. لقد حَملتِ ربَكِ و سيدَكِ في أحشائكِ لمدةِ تسعة أشهر وبقيتي مُتحيرة بهذا السر العجيب الرهيب. فهنيئاً لكِ لأستيعابكِ سر التجسدِ هذا من دون تردد .
لو كُنتُ في مَحلكِ يا عذراء مريم، لطَلبتُ علامةً لأُصدق الكلام المبعوث مع الملاك، لكنكِ لـم تطلبِي يا أمي علامةً لتؤمنِي، على خلاف ما نقرأهُ في قصص الأنبياء الذين كانوا يطلبونَ أيةً للتصديق، مثل النبي موسى لكي يصدقه فرعون والشعب العبرانـي” انهم لا يصدقونني ولا يسمعون لقولي بل يقولون لم يتجل لك الرب” (خروج7:4). ولـم تطلبي علامة مثل جدعون كما جاء فى سفر القضاة “ان كنت قد أصبت حظوة فى عينيك فأعطيني علامة على انك انتَ الذى كلمني “(قضاة 17:6) وكان أن الرب أعطاه من جزاز الصوف فى البيدر وسقوط الندى وغيرها من العلامات. ولـم تطلبي علامـة مثل بني اسرائيل عندما طلبوا من يسوع آية لكى يؤمنوا به آيـة تُصنع لنراها ونؤمن بك”(يوحنا30:6). لم تطلبي أي شيء يا مريم !! ولكن الملاك أعطاكِ العلامة، ان نسيبتكِ أليصابات العاقر حبلى فى شيخوختها. وكانت تلك العلامة لنا ايضا ً، نحن الذين سيُعلن لنا سر البشارة وان الملاك قال مثل ذلك .
لقد رأيتي يا مريم من قبل كيف ان العاقر تحبل وتلد، وها هي معجزة أخرى متكررة فالله يشاء ان يصنع شيئاً جديداً، طفلٌ يولد من عذراء فقالت في طاعة عجيبة وإيمان صادق:“هوذا أنـا أمـةُ الرب ليكن لي كقولك. فمضى من عندهـا الـملاك”(لوقـا 38:1).
هنا جاءت اللحظة الحاسمة التى تنتظرهـا البشريـة. وفيها قالت مريم كلمة ( نعم) هذه الكلمة المتكونة من ثلاثة أحرف حصل من خلالها التدبير الألهي بولادة المخلص. ان اللـه يحترم تمامـاً إرادة الإنسان، وقبول هذا الأمر ليس بالهيّن، لهذا لم يتركها الـملاك حتى يسمع قبولهـا أو رفضهـا للدعوة والخدمـة والخضوع لـمشيئة الله ومن أنهـا ستقبل طائعـة وبكامل إرادتهـا أن تصبح أمـا لقدوس اللـه والـمسيّا الذي تنتظره هـى أولاً وباقـى البشر. وقبلت مريـم أن تكون خاضعـة للـه كعبدة بكل كيانها وقلبها وجسدها وفكرها. أن الروح القدس جعل العذراء تحمل يسوع للعالم، وها هو اليوم نفس الروح يجعلنا نحمل يسوع إلى العالم … فلنتفاعل معه، ونعيش هذا الحب، فتكون حياتنا المليئة بالمحبة، جواباً حقيقيا لروح الله الحال فينا. أن نحمل يسوع للعالم من خلال تواضعنا كتواضع العذراء مريم، وأن نشهد لهُ أمام الجميع مثلما شهدت مريم ولم تَخف أن تعلن حبلها بيسوع المسيح وهي لم تكن تعرف رَجُلاً ولم تخف مما سيحصل لها من أضطهاد بسبب حبلها. أيضاً نستطيع أن نحمل يسوع للعالم من خلال غفرانِنا لكُل من يُسيء ألينا كما غفرت مريم لصالبي إبنها الحبيب، وأخيراً علينا أن نعكس بتصرُفاتنا إننا رسل نحمل رسالة المسيح للأخرين، رسالة حبٍ ورجاء لكل من نصادفهم بحياتنا وهكذا يعلم الأخرين أن عمانوئيل هو دائماً الله معنا الى أنقضاء الدهر حتى مجيء الرب ثانيةً من السماء.
صلاة:
أيهّا الروح القدس، لقد كلّمت مريم من خلال الملاك و دعوتها لتشارك في خطة الخلاص. و بالرغم من أنها تساءلت كيف يمكن لها أن تصبح أمّ المسيّا!! وعِلمها بأنها ستواجه نبذ ورفض يوسف والآخرين. إلا إنها أعطتك موافقتها.
بمعونة صلواتها، أريد أن أصبح مستعداً لأقول نعم بملء إرادتي لتمنحني الدور في منح يسوع للعالم. شجعني عندما لا أفهم ما تطلبه مني. باركني بنعمة سماع النداء والشجاعة لأثق بمخططك. لِتتمّ فيّ مشيئتك. امين.