full screen background image

الحـــــــــــريّة

579

تحتلُ الحريّة حَيّزًا جوهريًا وفريدًا من حياتنا. فالحياة فُسحةً من الوقت منحتها حريتنا كي نتعلم منها الحب ونستعد للقاء الأبدي مع الحب الأبدي.

          إن حريّة الإنسان هي رمز كرامتهِ ومَكمن عظمتهِ، وفي نفس الوقت هي منبع كلّ الشرور التي تُرتكَب على وجه الارض. لفظة الحريّة لفظة رائعة، ولكنها قد تكون أكثر الألفاظ انطواءا ً على الرياء.

          الحريّة هي الخيار المتاح لكَ في أن تُعبّر عن ذاتكَ وتقول: فليَمُت الآخرون لا شأن لي بهم ما يهمني هو راحتي.. نجاحي.. ممتلكاتي. أو أن تفكر وتقول: لن اُسعد في معزلٍ عن الآخرين.

          الحريّة اختيارٌ ومسؤولية فيها يستطيع المرء سلب طعام أخيه أو بذل حياته لخدمة الآخرين، بها يستطيع ان يكون نابليون أو القديس فرنسيس الأسيزي أو هتلرأو الأم تريزا.

          إن الكلّي القدرة الذي حلَّ بيننا لم يأتنا مُسيطرا ً، بل حلَّ بيننا وهو في منتهى الصِغر يوم الميلاد. فكان التواضع هو الرسالة بأكملها التي بنى لها من خلال الولادة. إن الحقيقة الوحيدة التي تجعل الإيمان بالحريّة ممكنًا وبدونها لا تطاق الحياة، هي ان الخالق لأنه حُب ولأنه كلّي القدرة هو نقيض القادر المتسلط تماما ً، لذلك قد تبدو هذه الحقيقة وكأنها مقاومة.

عندما انظر الى يسوع على الصليب أرى كل آلام البشريّة، ثم انني في يديه المسمَّرتين أرى الكلّي القدرة الأسير. الأسير الطوعي للحريّة التي وَهَبَنا إياها.

نعم يجب أن نثأر لله على الإهانة التي أُلحقت به، بإظهاره بمظهر الكلّي القدرة المتسلط، علينا أن نثأر له بإظهاره كلّي القدرة الأسير بدافع الحب. وعلينا أن نثأر للإنسان الذي خُدِعَ على نحوٍ مريع. فالحريّة هي قيمة الوجود العظمى وبمعزلٍ عنها لن يكون الإنسان سوى شيء من الأشياء. غير ان مجتمعنا المغرور الذي يُنعَت “بالمتحضّر” قد صوّر هذه الحرية الفائقةِ الروعة كما لو كانت هي الغاية. فهل نتعجّب بعد ذلك لرؤية بعض أخواتنا ينبذون الطاعة مستخفّات بأوامر الرؤساء؟ أو لرؤية شبابنا يفزعون الى المخدرات بل يفضون الى الانتحار ويقنطون ويفقدون طعم الحياة؟

إن الروح الكائن الذي ندعوه الروح القدس، هو تعبير عن حب الآب، وهو حاضر دائما ً مع الحريّة منذ وجودها، داعيًا لها، ومخيّرًا إياها (وهنا علينا الاختيار إن شئنا من دون إكراه).

          انها الحقبة التي ينبغي ان نُعلن فيها ان مبرِّر الحياة الحق ليس الكفاح في سبيل الحريّة من أجل الحريّة، بل الكفاح لكي يكون الجميع احرارا ً، ليكونوا قادرين على الحُب، وعلى التألم مع المتألمين.

          علينا ان نكون مؤمنين رغم كل شيء غير مغمضي العينين عمّا يحدث بالعالم من بشاعة وفظاعة ناجمتين عن فقدان الحب، وغير مُغمضي العينين عن الخداع الذي تورَّط فيه الانسان حول استخدام حريّتهُ، والذي نجم عنه خوف الجميع بعضهم من بعض، وتدميرٌ للعلاقات الإنسانية.

فينبغي ان نُحدّق في هذه الفظائع وان نكافح من أجل المفهوم الحقيقي للحريّة الذي تشوّه عبر الزمن.

اللجنة المُشرفة