full screen background image

يسوع المسيح ابن الله الإنجيل بحسب مرقس

2171

ي

إعداد الأخت: فرح يوسف آدم

المقدمة:

لقد كانت أمثال يسوع على مر عشرين قرنا، من الاساليب الأكثر حضورا على الأصعدة كافة (الوعظ، التبشير وحتى الفن). ويبقى إنجيل مرقس هو الأقرب زمنيا لفترة بشارة يسوع على أرضنا، مميزا ً من ناحية كتابته لأمثال غدت مواضيع أساسية في الاناجيل الازائية اللاحقة. بالحقيقة، أمثال يسوع من أجمل ما استخدم بأسلوبه التربوي، لكنها تتخذ الكثير مما ذكر في العهد القديم، حيث نلاحظ بان الأمثال كانت تعتبر من الطرق المعتمدة خاصة من قبل الأنبياء (اش5: 1-7؛ 21: 28-29) (حز17: 1-24؛ 19: 1-؛ 20: 45-49).

الامثال في الاناجيل:

غالبا ً ما نجد كلمة الأمثال تتكرر فقط عند الاناجيل الإزائية بمختلف الطرق والاساليب:

  1. الأمثال الحقيقية أو الأمثال المأخوذة من الواقع اليومي، يعرضها كاتب الإنجيل لتصل الى السامع والقارئ بمعاني مختلفة وبطرق مختلفة (مجازية أو بالمقارنة) (مثل الخروف الضال – مثل الزارع).
  2. الأمثال بأسلوب القصة الروائية، وهي قريبة من النوع الأول من حيث الشكل، ولكنها ليست من الواقع، بل من الممكن حصولها (مثل الرجل المسافر- مثل الملك الذي أعد عرسا لابنه).
  3. الأمثال المجازية التي تربط موضوعين مختلفين (مثل خمير الفريسيين والرياء).
  4. الأمثال الحكمية أو الشعبية التي غالبا ما تتكون من كلمات قليلة ويكون معناها واضحا وثابتا في المجتمع الذي يتداولها (أيها الطبيب طبب نفسك).

نجد في انجيل مرقس مثلين فقط على شكل رواية طويلة: مثل الزارع (4) ومثل الكرامين القتلة (12). ونجد أمثال أخرى يوردها الانجيلي مرقس بشكل أكثر اقتضابا: مثل الزرع الذي ينمو في الخفاء (4: 26-29)، مثل حبة الخردل (4: 31)، مثل الخدام الأمناء (13: 34). اما النوع الثالث من الامثال فهو نوع الصور القصيرة، كالعريس المرفوع (3: 19-20)، جرار الخمر ورقعة الثوب (3: 21-22)، السراج تحت المكيال (4: 19)، مثل الكيل (2: 24). وهذه الانواع كلها من حيث الشكل، أما من حيث المضمون: فيمكننا تقسيم هذه الأمثال الى أنواع مختلفة منها:

  1.  أمثال النمو (الزارع – الزرع الذي ينمو في الخفاء – حبة الخردل).
  2. أمثال القبول أو الرفض (الكرامون القتلة – الخدام الأمناء).
  3. أمثال التشابيه الصورية (العريس – جرار الخمر ورقعة الثوب – السراج – الكيل).

غاية مرقس من الأمثال:

إن المثل يعكس العظة أو التعليم الخطابي، فهو سهل الاستماع والفهم والحفظ. لذلك كان المثل من الطرق التعليمية المتبعة في الإطار الرابيني اليهودي في فترة عمل يسوع التبشيرية. وهدف المثل هو تحريك المخيلة واستمالة الفضول، وجعل المستمع يقوم بعمل فكري ناشط، ليصل بنفسه الى المعنى الحقيقي المراد إيصاله. وقد أعلن الانجيلي مرقس من خلال كتاباته أن الأمثال قد جعلت سرا ًيحول دون وصول الجموع الى معرفة أسرار يسوع. وهذا هو السر المسيحاني وهوية المسيح الإلهية والتي كُشفت عند صرخة قائد المئة.

ميزة الأمثال في إنجيل مرقس:

 تدور الأمثال كلها حول قدوم ملكوت الله وقبوله، وهذه الفكرة كانت في صميم تعاليم المسيح ورسالته. فبيئة هذه الأمثال تتأتى كلها من الواقع الفلسطيني القديم، وبنوع خاص من المناطق الزراعية. وأما تفسيره للأمثال فهو في إطار كنسي، فالمسيح أعطى تعليمه بشكل امثال حياتية مرتبطة بالبيئة، وهذه التعاليم نوع من الوعظ التفسيري للمثل الأصلي، والتي كانت تدور حول العوائق والصعوبات التي تواجهها الجماعة المسيحية الأولى.

مسيرة تكوين مثلي الزارع والكرامين القتلة والهدف منهما:

في هذين المثلين نجد عنصرا ً مميزا ً وهو العنصر الأليغوري، والذي يعني دمج للعنصر الروائي أي ما أعطاه الرب يسوع والأليغوري الذي يشرح هذا المثل. والهدف منهما هو إعلان لملكوت الله الحاضر بيسوع المسيح. فهذان المثلان قد جعلا إطارا أدبيا، يبتدئ بمثل الزارع الذي يبقى محجوبا عن الإدراك للذين هم في الخارج، ويدركه فقط التلاميذ. ويختتم بمثل الكرامين القتلة الذي يزيل الحجاب عن أعين الذين هم في الخارج وعن أعين التلاميذ معا.

الرأي الشخصي …

بالنسبة لي، المسيح استخدم الأمثال في تعليمه ولقاءاته من أجل مساعدة السامع لانفتاح العقل على حقائق الإيمان الإلهية. لأنه بقدر ما يدرك المؤمن السّر الموحى له، فأنه يسهل عليه فهم الأمثال وبالعكس، بقدر ما يرفض الإنسان رسالة المسيح فيصعب عليه فهم أمثال الملكوت.

فيسوع تكلم بالأمثال لأن التكلُّم بها هو طريقة تعليمية وتربوية ممتازة تتفَّوق في بعض الأحيان على الكلام الصريح، ذلك لأن للأمثال جاذبية خاصة تستأثر بها انتباه السامعين، وتقرّب إليهم فهم الأمور حتى المعقّدة والمُستعصية منها ولكافة الأعمار والمستويات الفكرية.

ولهذا استخدم يسوع الصور والتشبيهات لأشياء مألوفة للجميع (مثل الملح والخبز والخراف…الخ) في تعليمه حتى وقت معين من خدمته، ولهذا فالأمثال هي بركة للذين لديهم آذان صاغية. أما بالنسبة لأصحاب القلوب الغليظة والآذان التي لا تسمع فإن الأمثال هي إعلان عن الدينونة.

وهذا ما يوضح أن إعلان حب الآب للبشر المشهود له بإرسال ابنه الى العالم، هو الوحي الأسمى الذي أتي به يسوع. هذا هو هدف الأمثال التي تُظهر اللمسة الأخيرة التي يعطيها الملكوت الجديد لقصد الله بخصوص العالم.

إن المثل يعطي الراغب مزيداً من المعرفة، لأنه سيفتش عن معناه. أما الذي ليس له الرغبة بالمعرفة فسينصرف عن المعنى الكامن في المثل لأن قلبه مغلق. بالإضافة الى هذا فإن الأمثال لها فوائد اخرى ايضا، فقد اثارت اهتمام الناس ودفعتهم الى الاصغاء، ورسمت صورا ذهنية سهّلت عليهم الفهم، بالاضافة الى ان امثال يسوع ساعدت مستمعيها على تذكُّر كلماته التعليمية. ‏ 

 المصدر: ملخص من كتاب “يسوع المسيح ابن الله الإنجيل بحسب مرقس” – الأب بيار نجم المريمي، مقدم إلى الأب أنطوان عوكر، جامعة الحكمة، كلية العلوم الكنسية – قسم اللاهوت 2017.